ب. م بديعة* فتاة، ٣٧ عاما، من قرية صغيرة تبعد عن مدينة تعز مسافة ساعتين. تنحدر من عائلة فقيرة تتكون من 9 أفراد تفرقت بهم السبل، فمنهم من غادر الحياة ومنهم من سافر وانقطعت أخباره نتيجة لأوضاع البلاد الراهنة.

بدأت بديعة حياتها كفتاة طموحة تسعى للتعلم والحصول على الشهادة الجامعية. ونتيجة لهذا الطموح، باتت حبيسة المنزل. وأضافت “لقد رحل والدي عن الدنيا، كما تضاعف وضعنا الاقتصادي لأدخل في حالة اكتئاب”.

لكن بديعة لم تستلم، وحاولت مرارا الوقوف مجددا على قدميها، والبحث عن الطريق. لقد كانت وفاة والدها أكثر تأثيرا على حياتها، وقلبتها رأسا على عقب. تقول إنها تعرضت للاضطهاد من قبل إخوتها، والتحكم بتفاصيل حياتها، كونها الأصغر بينهم. وتضيف “كان إخوتي يمنعوني من كل شيء، ويتخذون القرارات نيابة عني، كما لو كنت جارية”.

بعد وفاة والدهم، كان الشقاق ومحاولة الهيمنة على الآخر الصفة الأبرز بين الأخوة. تقول بديعة “لطالما قلت في نفسي أننا أسرة مفككة نشأت على شجار الآباء وتشاحن الأبناء، فليس مستغربا سلوك كل واحد من إخوتي طريقا للوصول إلى الهيمنة على الآخرين”.

وأضافت “لقد انتهجوا هذا الأسلوب بالتعامل مع بعضهم، لكنهم اتفقوا معا على أمر واحد، وهو إهانتي وإذلالي”.

تحلت بديعة بالكثير من القوة والصبر، فوجدت الاهتمام من الآخرين لتواصل الحياة. تقول إن مصالحهم الشخصية وحدها كانت تجعلهم يتمسكون بها، حتى إذا قضوا مصالحهم طردوها. لو أنها كانت تملك مصدرا للدخل لما تحملت كل ذلك الإذلال، ولاستقلت بذاتها دون المزيد من المتاعب.

وأشارت أن وجود والدتها الضريرة حبيسة الفراش كان أحد أسباب مقاساتها لكل تلك المتاعب، وهي من تخفف عنها شقاء الحياة. تقول “كنت أتنقل مع والدتي بين منازل إخوتي. كلما بدأ أحدهم بالتذمر انتقلنا إلى منزل آخر”.

وبحسب بديعة، فإنها انتقلت مع أمها بعد ذلك للسكن في منزل إحدى أخواتها المتزوجات. في البداية، كانت أختها تتذمر قليلا، لكن زوجها كان يحثها على الهدوء وتقبل الأمر، وشعرت بديعة بالاستقرار نوعا ما. وأضافت “لكن، وفجأة تغيرت طريقة تعامل زوج أختي معي، حيث بدأ بالتقرب مني، بل والتحرش بي”.

وتواصل بديعة “كنت أتشاجر معه، وفي ذات الوقت أحرص أن لا تشعر أختي ووالدتي بالأمر، خوفا على مشاعرهما وردة فعلهما حيال هذا الفعل”. استمرار هذا الوضع جعل بديعة تشعر بالحزن والانطواء، وباتت عصبية لأتفه الأسباب.

هذا الوضع من الاعتماد على الآخرين رسخ لدى بديعة حقيقة أن عليها أن تستقل ماديا وتعتمد على نفسها، لكي تتمكن من مقاومة هذا العنف المنزلي المتجدد. فالاعتماد على نفسها سيجعلها قوية، وقادرة على الخروج من تحت هيمنة الآخرين.

وبينما كانت بديعة تواصل بحثها عن مصدر دخل، عرفت من إحدى صديقاتها عن مساحة الحوبان الآمنة، وما تقدمه من تأهيل وتمكين اقتصادي للفتيات عبر مشاريعها الصغيرة. تقول “توجهت مباشرة إلى المساحة، وهناك وجدت الأمان الذي لطالما افتقدته داخل أسرتي”.

وقد لقيت بديعة جلسات توعية ودعم نفسي متعددة، بصفتها ناجية من العنف. فالجلسات أعادت إليها الثقة بنفسها، والقدرة على دفع العنف عنها، تمهيدا لتمكينها وتحقيق استقلاليتها الاقتصادية عن المتسببين بالعنف.

تقول “بعد الجلسات، تم ترشيحي لدورة تعلم الخياطة، وكان عندي شغف سابق بها. فرحت كثيرا عندما تم تمكيني ومنحي آلة خياطة بكل ملحقاتها، وقطع قماش لأبدأ مشروعي الصغير الذي سيجعلني أستغني عن أسرتي، وأعتمد على نفسي”.

وأكدت بديعة أن روحها المعنوية تحسنت، وبدأت بالخياطة وصناعة الثياب وبيعها. وتضيف “منذ فترة وجيزة تمكنت من صناعة وبيع قرابة ١٥ قطعة ثياب متنوعة وبيعها. حاليا أعمل على توسيع المشروع واستئجار منزل صغير لي ولوالدتي”.

واستطردت بالقول “كلي أمل وثقة بنجاح وتوسع مشروعي. أتمنى أن أصبح خياطة مشهورة، كما أتمنى أن تستمر المنظمة في دعم الفتيات المضطهدات مثلي وتحسين أوضاعهن المعيشية”.

 

*اسم مستعار حفاظا على الخصوصية